الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} أي وما يُدريكم أيمانكم؛ فحذف المفعول.ثم استأنف فقال: {إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بكسر إن، وهي قراءة مجاهد وأبي عمرو وابن كَثير.ويشهد لهذا قراءة ابن مسعود {وما يشعركم إذا جاءت لا يؤمنون}.وقال مجاهد وابن زيد: المخاطَب بهذا المشركون، وتمّ الكلام.حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وقد أعلمنا في الآية بعد هذه أنهم لا يؤمنون.وهذا التأويل يشبه قراءة من قرأ {تؤمنون} بالتاء.وقال الفرّاء وغيره؛ الخطاب للمؤمنين؛ لأن المؤمنين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون؛ فقال الله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} أي يعلمكم ويدريكم أيها المؤمنون.{أنها} بالفتح، وهي قراءة أهل المدينة والأعمش وحمزة، أي لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون.قال الخليل: أنها بمعنى لعلّها؛ حكاه عنه سيبويه.وفي التنزيل: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} [عبس: 3] أي أنه يزكَّى.وحُكي عن العرب: ايت السوق أنّك تشتري لنا شيئًا، أي لعلّك.وقال أبو النَّجْم:وقال عدِيّ بن زيد: أي لعلّ.وقال دُرَيد بن الصِّمَّة: أي لعلّني.وهو في كلام العرب كثير أنّ بمعنى لَعل.وحكى الكِسائِيّ أنه كذلك في مصحف أُبَيّ بن كعب وما أدراكم لعلها.وقال الكسائي والفَرّاء: أن لا زائدة، والمعنى: وما يشعركم أنها أي الآيات إذا جاءت المشركين يؤمنون، فزيدت لا؛ كما زيدت لا في قوله تعالى: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95].لأن المعنى: وحرام على قرية مُهْلَكة رجُوعُهم.وفي قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12].والمعنى: ما منعك أن تسجد.وضعّف الزّجاج والنّحاس وغيرهما زيادة لا وقالوا: هو غلط وخطأ؛ لأنها إنما تزاد فيما لا يُشْكِل.وقيل: في الكلام حذف، والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، ثم حذف هذا لعلم السامع؛ ذكره النحاس وغيره. اهـ. .قال أبو حيان: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}.ما استفهامية ويعود عليها ضمير الفاعل في {يشعركم}، وقرأ قوم بسكون ضمة الراء، وقرئ باختلاسها وأما الخطاب فقال مجاهد وابن زيد: هو للكفار، وقال الفراء وغيره: المخاطب بها المؤمنون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والعليمي والأعشى عن أبي بكر، وقال ابن عطية ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية داود الإيادي أنها بكسر الهمزة، وقرأ باقي السبعة بفتحها، وقرأ ابن عامر وحمزة لا تؤمنون بتاء الخطاب، وقرأ باقي السبعة بياء الغيبة فترتبت أربع قراءات الأولى كسر الهمزة والياء وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي بكر بخلاف عنه في كسر الهمزة وهذه قراءة واضحة، أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون البته على تقدير مجيء الآية وتم الكلام عند قوله: {وما يشعركم} ومتعلق {يشعركم} محذوف أي {وما يشعركم} ما يكون فإن كان الخطاب للكفار كان التقدير {وما يشعركم} ما يكون منكم ثم أخبر على جهة الالتفات بما علمه من حالهم لو جاءتهم الآيات وإن كان الخطاب للمؤمنين كان التقدير {وما يشعركم} أيها المؤمنون ما يكون منهم، ثم أخبر المؤمنين بعلمه فيهم، القراءة الثانية كسر الهمزة والتاء وهي رواية العليمي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، والمناسب أن يكون الخطاب للكفار في هذه القراءة كأنه قيل: وما يدريكم أيها الكفار ما يكون منكم ثم أخبرهم على جهة الجزم أنهم لا يؤمنون على تقدير مجيئها ويبعد جدًا أن يكون الخطاب في {وما يشعركم} للمؤمنين وفي لا تؤمنون للكفار، القراءة الثالثة فتح الهمزة والتاء وهي قراءة نافع والكسائي وحفص، فالظاهر أن الخطاب للمؤمنين والمعنى وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية التي تقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بها يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنتم لا تدرون بذلك، وكان المؤمنون يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية، ويتمنون مجيئها فقال: وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون ألا ترى إلى قوله: {كما لم يؤمنوا به أول مرة} ويبعد جدًا أن يكون الخطاب في {وما يشعركم} للكفار وأن في هذه القراءة مصدرية ولا على معناها من النفي، وجعل بعض المفسرين أن هنا بمعنى لعل وحكي من كلامهم ذلك قالوا: إيت السوق إنك تشتري لحماير بدون لعلك، وقال امرؤ القيس:وذكر ذلك أبو عبيدة وغيره ولعل تأتي كثيرًا في مثل هذا الموضع قال تعالى: {وما يدريك لعله يزكى} {وما يدريك لعل الساعة قريب} وفي مصحف أبي وما أدراكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وضعف أبو علي هذا القول بأن التوقع الذي يدل عليه لعل لا يناسب قراءة الكسر، لأنها تدل على حكمه تعالى عليهم بأنهم لا يؤمنون لكنه لم يجعل أنها معمولة {ليشعركم} بل جعلها علة على حذف لامها والتقدير عنده {قل إنما الآيات عند الله} لأنها إذا جاءت لا يؤمنون فهو لا يأتي بها لإصرارهم على كفرهم فيكون نظير {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} أي بالآيات المقترحة انتهى، ويكون {وما يشعركم} اعتراضًا بين المعلول وعلته إذ صار المعنى: {قل إنما الآيات عند الله} أي المقترحة لا يأتي بها لانتفاء أيمانهم وإصرارهم على ضلالهم وجعل بعضهم لا زائدة فيكون المعنى وما يدريكم بإيمانهم كما قالوا: إذا جاءت وإنما جعلها زائدة لأنها لو بقيت على النفي لكان الكلام عذرًا للكفار وفسد المراد بالآية قاله ابن عطية، قال وضعف الزجاج وغيره زيادة لا، انتهى.قول ابن عطية والقائل بزيادة لا هو الكسائي والفراء، وقال الزجاج: زعم سيبويه أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهي قراءة أهل المدينة، قال: وهذا الوجه أقوى في العربية والذي ذكر أن لا لغو غالط لأن ما كان لغوًا لا يكون غير لغو ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون المعنى مرة إيجابًا ومرة غير ذلك في سياق كلام واحد، وتأول بعض المفسرين الآية على حذف معطوف يخرج لا عن الزيادة وتقديره {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} أو يؤمنون أي ما يدريكم بانتفاء الإيمان أو وقوعه، ذكره النحاس وغيره، ولا يحتاج الكلام إلى زيادة لا ولا إلى هذا الإضمار ولا لا يكون أن بمعنى لعل وهذا كله خروج عن الظاهر لفرضه بل حمله على الظاهر أولى وهو واضح سائغ كما بحثناه أولًا أي {وما يشعركم} ويدريكم بمعرفة انتفاء إيمانهم لا سبيل لكم إلى الشعور بها، القراءة الرابعة: فتح الهمزة والتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة، والظاهر أنه خطاب للكفار ويتضح معنى هذه القراءة على زيادة لا أي وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت كما أقسمتم عليه، وعلى تأويل أن بمعنى لعل وكون لا نفيًا أي وما يدريكم بحالهم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بها وكذلك يصح المعنى على تقدير حذف المعطوف أي وما يدريكم بانتفاء إيمانكم إذا جاءت أو وقوعه لأن مآل أمركم مغيب عنكم فكيف تقسمون على الإيمان إذا جاءتكم الآية، وكذلك يصح معناها على تقدير أي على أن تكون أنها علة أي {قل إنما الآيات عند الله} فلا يأتيكم بها لأنها {إذا جاءت لا يؤمنون} وما يشعركم بأنكم تؤمنون وأما على إقرار أن {أنها} معمولة {ليشعركم} وبقاء {لا} على النفي فيشكل معنى هذه القراءة لأنه يكون المعنى {وما يشعركم} أيها الكفار بانتفاء إيمانكم إذا جاءتكم الآية المقترحة، والذي يناسب صدر الآية: {وما يشعركم} بوقوع الإيمان منكم إذا جاءت، وقد يصح أن يكون التقدير: وأيّ شيء يشعركم بانتفاء الإيمان إذا جاءت، أي لا يقع ذلك في خواطركم بل أنتم مصممون على الإيمان إذا جاءت، وأنا أعلم أنكم لا تؤمنون إذا جاءت لأنكم مطبوع على قلوبكم.وكم آية جاءتكم فلم تؤمنوا.وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن {ما} في قوله: {ما يشعركم} نافية والفاعل بيشعركم ضمير يعود على الله، ويتكلف معنى الآية على جعلها نافية، سواء فتحت أن أم كسرت.ومتعلق {لا يؤمنون} محذوف وحسن حذفه كون ما يتعلق به وقع فاصلة، وتقديره {لا يؤمنون} بها وقد اتضح من ترتيب هذه القراءات الأربع أنه لا يصلح أن يكون الخطاب للمؤمنين على الإطلاق ولا للكفار على الإطلاق، بل الخطاب يكون على ما يصح به المعنى التي للقراءة. اهـ. .قال أبو السعود: وقوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.كلامٌ مستأنفٌ غيرُ داخلٍ تحت الأمرِ مَسوقٌ من جهته تعالى لبيان الحكمةِ الداعيةِ إلى ما أشعر به الجوابُ السابقُ من عدم مجيءِ الآياتِ خوطب به المسلمون إما خاصةً بطريق التلوينِ لمّا كانوا راغبين في نزولها طمعًا في إسلامهم، وإما معه عليه الصلاة والسلام بطريق التعميم لما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الهم بالدعاء. وقد بُيّن فيه أن أيْمانَهم فاجرةٌ وإيمانُهم مما لا يدخل تحت الوجودِ وإن أجيب إلى ما سألوه.و(ما) استفهاميةٌ إنكاريةٌ لكن لا على أن مرجِعَ الإنكارِ هو وقوعُ المشعَرِ به بل هو نفسُ الإشعارِ مع تحقق المشعَرِ به في نفسه. أي وأيُّ شيءٍ يُعلِمُكم أن الآيةَ التي يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بل يبقَوْن على ما كانوا عليه من الكفر والعِناد أي لا تعلمون ذلك فتتمنّون مجيئها طمعًا في إيمانهم فكأنه بسطُ عذرٍ من جهة المسلمين في تمنيهم نزولَ الآياتِ، وقيل: (لا) مزيدةٌ فيتوجه الإنكارُ إلى الإشعار به جميعًا، أي أيُّ شيءٍ يعلمكم إيمانَهم عند مجيءِ الآياتِ حتى تتمنَّوا مجيئها طمعًا في إيمانهم؟ فيكونُ تخطئةً لرأي المسلمين، وقيل: (أنّ) بمعنى لعل، يقال: ادخُل السوقَ أنك تشتري اللحمَ وعنك وعلّك ولعلك كلُّها بمعنى، ويؤيده أنه قرئ لعلها إذا جاءت لا يؤمنون على أن الكلامَ قد تمّ قبله، والمفعولُ الثاني ليُشعرَكم محذوفٌ كما في قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يُزَكّى} والجملة استئنافٌ لتعليل الإنكار وتقريرِه، أي أيُّ شيءٍ يعلمكم حالَهم وما سيكون عند مجيءِ الآياتِ لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بها فما لكم تتمنَّوْن مجيئها؟ فإن تمنِّيَهم إنما يليق بما إذا كان إيمانُهم بها محقَّقَ الوجودِ عند مجيئِها لا مرجوَّ العدم. وقرئ إنها بالكسر على أنه استئنافٌ حسبما سبق مع زيادة تحقيقٍ لعدم إيمانِهم وقرئ لا تؤمنون بالفوقانية، فالخطابُ في وما يشعركم للمشركين وقرئ وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون، فمرجِعُ الإنكارِ إقدامُ المشركين على الإقسام المذكورِ مع جهلهم بحال قلوبِهم عند مجيءِ الآياتِ وبكونها حينئذٍ كما هي الآن. اهـ..قال الألوسي: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} كلام مستأنف غير داخل تحت الأمر مسوق من جهته تعالى لبيان الحكمة فيما أشعر به الجواب السابق من عدم مجيء الآيات خوطب به المؤمنون كما قال الفراء وغيرهم إما خاصة بطريق التلوين لما كانوا راغبين في نزولها طمعًا في إسلامهم، وإما معه عليه الصلاة والسلام بطريق التعميم لما روي مما يدل على رغبته عليه الصلاة والسلام في ذلك أيضًا كالهم بالدعاء، وفيه بيان لأن أيمانهم فاجرة وإيمانهم في زوايا العدم وأن أجيبوا إلى ما سألوه.وجوز بعضهم دخوله تحت الأمر ولا وجه له إلا أن يقدر قل للكافرين: إنما الآيات عند الله وللمؤمنين وما يشعركم إلخ وهو تكلف لا داعي إليه.وعن مجاهد أن الخطاب للمشركين وهو داخل تحت الأمر وفيه التفات و{أَنَّهَا} إلخ عنده إخبار ابتدائي كما يدل عليه ما رواه عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ.و(ما) استفهامية إنكارية على ما قاله غير واحد لا نافية لما يلزم عليه من بقاء الفعل بلا فاعل، وجعله ضمير الله تعالى تكلف أو غير مستقيم إلا على بعد، واستشكل بأن المشركين لما اقترحوا ءاية وكان المؤمنون يتمنون نزولها طمعًا في إسلامهم كان في ظنهم إيمانهم على تقدير النزول، فإذا أريد الإنكار عليهم فالمناسب إنكار الإيمان لا عدمه كأنهم قالوا: ربنا أنزل للمشركين ءاية فإنه لو نزلت يؤمنون، وحينئذ يقال في الإنكار: ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون.ويتضح هذا بمثال، وذلك أنه إذا قال لك القائل: أكرم فلانًا فإنه يكافئك وكنت تعلم منه عدم المكافاة فإنك إذا أنكرت على المشير بإكرامه قلت: وما يدريك أني إذا أكرمته يكافئني فأنكرت عليه إثبات المكافاة وأنت تعلم نفيها فإن قال لك: لا تكرمه فإنه لا يكافئك وأنت تعلم منه المكافاة وأردت الإنكار على المشير بحرمانه قلت: وما يدريك أنه لا يكافئني فأنكرت عليه عدم المكافاة وأنت تعلم ثبوتها.والآية كما لا يخفى من قبيل المثال الأول فكان الظاهر حيث ظنوا أيمانهم ورغبوا فيه وعلم الله تعالى عدم وقوعه منهم ولو نزل عليهم الملائكة وكلمهم الموتى أن يقال: وما يشعركم أنهم إذا جاءت يؤمنون.وأجاب عنه بعضهم بأن هذا الاستفهام في معنى النفي وهو إخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم، والمعنى أن الآيات عند الله تعالى ينزلها بحسب المصلحة، وقد علم سبحانه أنهم لا يؤمنون ولا تنجع فيهم الآيات وأنتم لا تدرون ما في الواقع وفي علم الله تعالى وهو أنهم لا يؤمنون فلذلك تتوقعون إيمانهم، والحاصل أن الاستفهام للإنكار وله معنيان لم ولا فإن كان بمعنى لم يقال ما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون بدون لا على معنى لم قلتم أنها إذا جاءت يؤمنون وتوقعتم ذلك؟ وإن كان بمعنى لا يقال ما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بإثبات لا على معنى لا تعلمون أنهم لا يؤمنون فلذا توقعتم إيمانهم ورغبتم في نزول آية لهم؛ وهذا الثاني هو المراد ويرجع إلى إقامة عذر المؤمنين في طلبهم ذلك ورغبتهم فيه.
|